هي لم تكن مباراة بل كانت حرب، هكذا أعربت الصحف ووسائل إعلام أمريكا اللاتينية والتشيلي بالتحديد عن المباراة التي تسبق المباراة الحاسمة التي ستلعب في البرازيل وتحديداً في ملعب الماريكانا ضمن تصفيات مونديال 1990 في إيطاليا فقبل إنطلاق المونديال بعام واحد حاول الحارس التشيلي الأسطوري سرقة التأهل لكأس العالم من البرازيل بقتل نفسه لكن إنقلب السحر على الساحر فكان هو وزملائه الضحية
روبيرتو روخاس وسجل ملطخ بالتزوير والكذب
كانت هذه هي الحادثة التي هزت أركان كرة القدم في أمريكا الجنوبية منذ أكثر من 3 عقود من الآن، وأصبحت جزءً من الفلكلور الرياضي الغني في القارة اللاتينية، بطل القصة هو الحارس روبرتو روخاس، المصنف كأفضل حارس مرمى في تاريخ تشيلي، كان هو رقم 1 بلا منازع تقريبًا طوال الثمانينيات، ولعب في ثلاث نسخ متتالية من بطولة كوبا أمريكا على مدار ذلك العقد، وعلى مستوى الأندية، لعب دور البطولة في ناديه الأصلي كولو كولو، ثم في العملاق البرازيلي ساو باولو.
لكن على امتداد مسيرته المميزة، كان الجدل مصاحبًا لها في عام 1979، كان الحارس وهو يبلغ من العمر 21 عامًا ضمن قائمة تشيلي المشاركة في بطولة أمريكا الجنوبية لأقل من 20 عامًا، بمساعدة جوازات سفر مزورة صادرة عن مسؤولين متعاونين في السجل المدني الوطني، سافر منتخب شباب التشيلي "الروخا" إلى الدولة المضيفة أوروجواي واحتلوا المركز الثالث في مجموعتهم، ولكن تم اكتشاف الحيلة بالفعل بينما كانت البطولة مستمرة، ومن المفارقات أن تشيلي هي من اتهمت في البداية أوروجواي بالاعتماد على لاعبين فوق السن، لتتقدم أوروجواي بالشكوى نفسها وينفضح أمر تشيلي، فتم إلقاء القبض على الفريق بأكمله عند وصوله إلى للعاصمة سانتياجو، وحكم على المدرب بيدرو جارسيا في وقت لاحق بالسجن لمدة 1084 يومًا لدوره في تنظيم عملية الاحتيال، وتم إقالة رئيس الاتحاد المحلي إنريك جوردون.
بعد خمس سنوات، تبين أن روخاس تعاطى منشط الستيرويد بعد مباراة ودية بين تشيلي وإنجلترا، وهو ما كلفه فرصة تمثيل بلاده في دورة الألعاب الأولمبية عام 1984، واقعة أخرى سبقت كوبا أمريكا 1987، حيث تولى روخاس قيادة اللاعبين في مفاوضاتهم للحصول على الجوائز المالية، وتعنته كاد يؤدي إلى عودة الفريق إلى بلاده دون لعب أي مباراة، قبل أن يتم استبداله بلاعب آخر مفاوض أكثر ليونة منه ولكن في الثالث من سبتمبر عام 1989، كانت سمعة حارس المرمى ستُشوه إلى الأبد بمناورة جريئة ومثيرة للغاية وغير حكيمة لدرجة أنها تبدو مقتبسة من سيناريو سينمائي.
سيناريو هيليوودي على ملعب الماراكانا
فعلى مسرح الماراكانا في البرازيل أوقعت قرعة تصفيات مونديال 1990 منتخب تشيلي مع البرازيل، وبدا المنتخب الأول قادرًا على تقديم عروض جيدة ومنافسة حقيقية حتى الجولة الأخيرة حين تساوت نقاط الفريقين مع فارق هدف واحد لصالح البرازيل، وجاءت الجولة الأخيرة لتشيلي على أرض السامبا بحيث لا يمكن لهم العبور لإيطاليا وبلوغ المونديال إلا الفوز والتغلب على السيلساو ومنتخبهم الأسطوري في ذلك الوقت.
قبل هذه المباراة كانت الأجواء في الأصل مشحونة بين المنتخبين، فقبل المباراة الأولى في سانتياجو دخل هداف المنتخب البرازيلي روماريو ومدرب تشيلي أورلاندو أرفينيا في حرب كلامية، وتعهد روماريو قبل المباراة قائلاً "سأغلق فم أرفينيا"، انتهت المباراة التي شهدت أحداث عنف بالتعادل 1/1، وأعربت صحيفة فوتبول توتال الرياضية التشيلية عن أسفها في تقريرها في اليوم التالي "لم تكن مباراة، كانت حرب!".
نعود للبرازيل وعلى ملعب الماراكانا الشهير، وسط أكثر من 140 ألف متفرج، وعند الدقيقة 67 كان كل شيء يسير لصالح المنتخب البرازيلي المتقدم بهدف نظيف يضمن له الوصول لكأس العالم لكن في الدقيقة المذكورة، أوقف الحكم الأرجنتيني خوان لوستاو المباراة بسبب سقوط روخاس على الأرض غارقًا في الدماء وبالقرب منه مقذوف من الألعاب النارية قادم من المدرجات هرع الطاقم الطبي لتشيلي لأرض الملعب، للقيام بالإسعافات الأولية وإخراج روخاس محمولاً من زملائه وهو ينزف الدماء، وطلب قائدهم فيرناندو أستينجو مغادرة الملعب.
الصدمة كانت واضحة على اللاعبين البرازيليين، كانوا يعرفون أن ما حدث قد يفقدهم بطاقة المونديال، ويتذكر كابتن البرازيل ريكاردو جوميز لشبكة سي إن إن "لقد شعرت بالرعب، كنت أعتقد أننا لن نتأهل للمونديال"، لكن دليل براءة البرازيل كان على يد المصور الصحفي ريكاردو ألفيري
الصحافة والإعلام أنقذت البرازيل من المكيدة
بعد إلقاء الشمروخ أو مقزوف الألعاب النارية بالقرب من الحارس روخاس وغرقه بدمه، والحيرة والقلق تظهر على وجوه لاعبي ومشجعي المنتخب البرازيلي فمن هو المشجع الذي قام بإلقاء تلك القذيفة وأصابت الحارس، فمن حسن حظ المنتخب البرازيلي كان هناك مصور وصحفي يدعى ريكاردو ألفيري الأخير الذي كان جالسًا خلف مرمى روخاس، والذي كان يعمل لدى وسيلة إعلامية يابانية.
قال ألفيري: "لقد التقطت سلسلة من 14، 15 صورة للحادثة، سقط روخاس وسط الدخان، والصورة التالية كانت وهو وجهه مغطى بالدماء، لكن في الحقيقة وبفضل الصور تبين أن المقذوف لم يصيب روخاس" فماذا حدث ومن أين أتت الدماء؟! في الحقيقة تبين أن روخاس احتفظ بشفرة حلاقة داخل قفازاته، ومنحه دخان الشمروخ القدرة على استخدامها سريعًا لجرح جبهته ثم التخلص منها مرة أخرى دون أن يلحظ أحد.
من بين 200 مصور في ماراكانا، ناهيك عن كاميرات التلفزيون، كان ألفيري هو الشخص الوحيد الذي غير مسار الأحداث برمتها، فأوصل الصور للاتحاد البرازيلي، الذي قدمها للفيفا ونجت البرازيل وصعدت لمونديال إيطاليا.
الإعتراف بالذنب والعفو بعد 11 عاماً
شعرت الفيفا بأن الحادثة مدبرة قبل المباراة، باحتفاظ الحارس بشفرة حلاقة في قفازاته، فعاقبت بشكل مبدئي تشيلي بالشطب من تصفيات كأس عالم 90 وكأس عالم 94، فيما تم عقاب كل من روخاس بجانب الطبيب رودريجز والمدير الفني أرفينيا بالإيقاف مدي الحياة، وفي مقابلة متلفزة مثيرة تحت عنوان "أنا مذنب"
قال روخاس: "لقط جرحت نفسي بشفرة حلاقة، واكتُشفت المهزلة كأنني جرحت كرامتي، لقد واجهت مشاكل في المنزل مع زوجتي، وأدار زملائي في الفريق ظهورهم لي لكن إذا كنت أرجنتينيًا أو أوروجوايًا أو برازيلي، لما تعرضت للعقاب".
وأضاف في مقابلة أخرى: "لقد فعلت ذلك بسبب شغفي ولرغبتي في إيصال تشيلي لكأس العالم، لأنها تعرضت للظلم في ذلك الوقت، لكن عندما يرتكب المرء هذا النوع من الخطأ، فإنه يريد فرصة لاسترداد قيمة نفسه، لكنني لم أحظ بتلك الفرصة".
ويضيف المصور ألفيري الذي فضح أمره: "شعرت بالأسف لروخاس بسبب العقوبة، لأنه كان حارس مرمى كبير وأسطوري، لقد كان رياضيًا رائعًا وبسبب صورة واحدة تم إيقافه لكن كل ما فعلته هو تحقيق مهمتي الصحفية وكمصور".
وأضاف الصحفي: "لحسن الحظ بالنسبة لي، ولسوء الحظ بالنسبة لتشيلي، تمكنت من التقاط تلك الصورة لأن البرازيل لم تكن لتتوجه إلى كأس العالم وستكون البطاقة لتشيلي".
في عام 2000 وبعد مناشدة من الاتحاد البرازيلي نفسه، قرر الفيفا العفو عن روخاس، وسُمح له بدخول السلك التدريبي، والاكتفاء بإيقافه 11 عامًا، وبعد ذلك بعامين تولى الدكة الفنية لنادي ساو باولو البرازيلي من مايو لديسمبر 2003، بعدها ظل بدون عمل حتى عام 2007 الذي درب فيه نادي إتويتوبا البرازيلي قبل أن يتركه في ذات العام ويرحل للباراجواي ليُدرب نادي جواراني، من ثم عاد للبرازيل مجددًا من بوابة سبورت ريسيفي بعام 2009، ترك روخاس مجال التدريب واتجه لاستوديوهات التلفزيون كواحد من أكثر النقاد احترامًا في تشيلي، وتعرض للإصابة بمرض التهاب الكبد وعلق عليه "لقد رأيت نفسي في نعش" لكنه تغلب عليه في النهاية بفضل عملية جراحية وزراعة كبد، لكن الجرح الأكبر له يظل ما حدث في ماراكانا.
تعليقات
إرسال تعليق